شكلت المرحلة التي أعقبت تنصيب الهياكل المحلية والجهوية الأولى (2010) لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية على مستوى ولاية لبراكنة مرحلة فارقة في المسار السياسي الحديث لمقاطعة ألاك وعجلت بحالة استقطاب سياسي داخل الحزب الواحد ظلت صامتة منذ مؤتمره التأسيسي قبل ذلك بعامين.
أحكمت بعض النخب سيطرتها المطلقة على الهياكل الحزبية الوليدة وعالجت الحساسيات المناطقية والتوازنات القبلية على مقاساتها دون مراعاة للتمثيل والثقل السياسي وتجاهلت عن قصد أحيانا وبغير أقصد ربما في أحايين أخرى أدوارا بارزة لجماعات ظلت لعقود في قلب التوازنات وصناعة الأحداث حين يتعلق الأمر بمقاطعة ألاك فتهيأت الساحة لتحولات جذرية غير أن معظم النخب تهيبت الإقدام وأحجمت عن خوض التجربة وإعطاء إشارة البدء إيذانا بانتهاء مرحلة لتبدأ معالم أخرى جديدة لن يظل البادئ فيها بمنأى عن مرمى نيران الخصوم.
في أي سياسق تشكلت جماعة يدا بيد...؟
وقد رفعت موجة التململ من مؤشرات سقوط المقاطعة بيد القوى المعارضة للنظام في الانتخابات المحلية الوشيكة حيث تسعى أحزاب تنسيقية المعارضة لكسب الرهان وحسم المناصب الانتخابية لصالحها مستفيدة من حالة التململ في الوسط الحزبي مع الموقف المعلن لكل من المرحوم سيدآمين ولد أحمد شلا وأهل الشيخ عبد الله من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز في ذلك التوقيت فضلا عن المجموعة التي ترشحت لاحقا لبلدية بوحديده من حزب الوئام.
وفي تلك الأثناء جاء الإعلان عن ميلاد مبادرة يدا بيد برئاسة عضو اللجنة السياسية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية آنذاك محمد ولد اسويدات مجسدا بالإعلان عنها أول ردة فعل عملية على طريقة تنصيب الهياكل الجديدة للحزب فيما عكس حجم حضور الانطلاقة كما ونوعا عمق الشرخ واتساع الهوة وحجم الخلاف بين الجماعات الداعمة للنظام وهو أمر رأت فيه القوى الممسكة بهياكل الحزب المحلية تهديدا لوجودها داخل نفس الحزب ودقا لناقوس خطر لا بد من مواجهته في المهد للحفاظ على زخمها السياسي إلى حين انتهاء الانتخابات وهو ما يضمن لها تكريس الأمر الواقع عن طريق ضم المناصب الانتخابية إلى المناصب الحزبية وهو ما يقطع الطريق على أي تمرد جديد ضدها.
أودع قادة يدا بيد لدى السكرتيريا المركزية للحزب إشعارا بميلاد المبادرة مع طلب تمثيل حزبي ونوعي في المهرجان الأول لها بدار الشباب وسط مدينة ألاك ليفتح طلب التمثيل الحزبي ساحة مواجهة خفية وميدان صراع احتدم لبعض الوقت بهدف ثني قادة الجماعة عن التحرك باتجاه تشكيل كيان سياسي باعتبار أن الوقت غير ملائم، وفي ظل الإصرار الذي أبدوه جاء قرار الحزب بإيعاز من جهات أخرى ليحيل مهمة التمثيل للاتحادية الجهوية التي أحالته بدورها إلى منسقية المقاطعة ودون تأخير أحالته هي الأخرى إلى القسم الفرعي برئاسة لمرابط ولد يومه.
وقد حظيت المبادرة المنظمة في الخامس والعشرين من مايو 2013 بتمثيل سياسي على مستوى المقاطعة فاق التوقعات حيث حضرت شخصيات منتخبة وأخرى فاعلة في مختلف البلديات في تعبير عملي عن حجم التأييد للتحول القائم فيما ركزت كلمة رئيس المبادرة وعضو اللجنة السياسية للحزب في ذلك الوقت محمد ولد اسويدات إلى العمل يدا بيد تأسيا بالشعارات المرفوعة وطالقا قولته المشهورة "إن عدونا الحقيقي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هو التفرقة والخلافات الضيقة والتجاذبات العقيمة لما لها من دور في تنافر للقلوب وتشتيت للجهود"، في نبرة تصالحية لم يمنحها الخصوم كثيرا من الاهتمام.
وشهدت الأشهر اللاحقة للإعلان عن المبادرة نشاطا سياسيا مكثفا للجماعة التي تحظى ببعد روحي وقبلي وازن أكسبها في سالف العهد منصب عمدة بلدية ألاك أربع مرات ثلاث منها متتالية لتتقدم في المرحلة الخاصة باختيار المرشحين بطلب الترشح لمقعد في البرلمان عن دائرة ألاك تاركة البلدية المركزية للشركاء داخل الحزب، فعمد خصومها إلى محاولة شق الصف عبر إغراء بعض قادتها بدعم خفي وفعال للظفر بمنصب آخر في حال إحداث شرخ داخلي ينهي أمر الجماعة إلى التفكك، لكن معطيات كثيرة استجدت على الملف الخاص بالترشيحات إلى أن تم الحسم فيه داخل مكتب الرئيس محمد ولد عبد العزيز وكان نصيب يدا بيد هو مقعد عمدة بلدية ألاك.
محاولة اغتيال سياسي أفشلت في اللحظات الأخيرة
وقد دفع اختيار الرئيس محمد ولد عبد العزيز لرئيس يدا بيد محمد ولد اسويدات مرشحا لعمدة بلدية ألاك بعض أطر المنطقة للعودة باتجاه مغاضبة النظام فيما يقول أنصار الرجل إن بعض الفاعلين في المشهد لم يرق لهم ذلك الاختيار ورأوا في العمل سرا لإسقاط لائحة الحزب البلدية أقصر طريق لوأد الطموح السياسي لرئيسها ومن ثم القول بأن حالة الغضب التي جوبهت بها لائحة الحزب ببلدية مال في تلك الانتخابات لم تكن الفريدة من نوعها بالمقاطعة بل إن حالة الرفض لرأس لائحة الحزب بألاك كانت أقوى من كل جاه ومال ليجد الرجل نفسه محاطا بخصم داخلي وآخر خارجي، وهو ما أخر فوزه في الشوط الأول من الانتخابات.
بعد الانتخابات وبامتلاكها منصب العمدة المركزي تكون الجماعة قد قطعت الخطوة الأولى في طريق عودتها لصدارة المشهد السياسي بعد سنين من الانزواء أملتها ظروف ما بعد الانتخابات البرلمانية والبلدية إبان المرحلة الانتقالية الأولى لكن مساعي الخصوم في إفشال المسار الوليد أخذت بعدا ومنحا جديدا عبر التضييق عليها في المرفق البلدي مستخدمين المال السياسي والسلطة الوصية لضرب الثقة في المرفق البلدي عند أغلب شركائه التنمويين في وقت كانت الجماعة تعاني فيه وضعا ماليا صعبا حتم عليها الإحجام عن لعب أي دور سياسي خارج ألاك ومنطقة البلد الطيب ببلدية أغشوركيت.
وتعرض رئيس المبادرة والعمدة لبلدية ألاك في ذلك الوقت لسيل من المضيقات جعلت مكانته في الشركة الوطنية للماء تتراجع من منصب مدير للتموين واللوازم إلى مستشار مكلف بالصفقات ثم مستشار مكلف بالتعاون ليودعها إلى مكلف بمهمة غير مدرجة في الهيكلة الإدارية لوزارة المياه والصرف الصحي أكتوبر 2017.
استغلال الظرف لإثبات صدق الموقف
وقد استغلت يدا بيد عامل الوقت وتراكم الأخطاء السياسية للخصوم مع الحرص على تسجيل هدف سياسي عند كل استحقاق ذي رمزية خاصة فعكفت على معالجة بعض الملفات الجوهرية المرتبطة بمسألة التعايش والتماسك المجتمعي لتعلن في إطار مقاربة خاصة دائرة بلدية ألاك خالية من أي ممارسات استرقاقية وهي التجربة التي استنسختها بلدية شكار لاحقا كما كان لها الدور الأبرز في تهدئة الشارع إبان المحاكمة التاريخية لزعيم حركة إيرا بيرام ولد اعبيد بمدينة ألاك وما رافقها من مظاهر الشحن الفئوي.
كما شكلت زيارة الوزير الأول السابق يحي ولد حد امين لمنطقة بورات 2017 سانحة أخرى للجماعة لتسجيل حضور نوعي لمهرجانه الهادف لحشد التأييد للاستفتاء الشعبي على الإصلاحات الدستورية التي رفضتها الغرفة الثانية من البرلمان، فاستقبل الوزير الأول بمقر إقامته أطر وقادة الجماعة لاستعراض جهودهم السياسية رغم التضييق والتغييب المتعمد على مدى سنوات قائلين إن من بين قادتهم من هو أهل للتشريف إن كانت على أساسه تمنح المناصب وثمة من هو أهل للتكليف وتحمل المسؤولية والأمانة كذلك.
وشكل الاستفتاء الدستوري مرحلة فارقة في مسار الجماعة التي توالت عليها التهانئ من أطراف عديدة في السلطة كانت تراقب المشهد السياسي حين نجحت في تنظيم أكبر سهرة سياسية خصصت لها مكانا قصيا في الشطر الشمالي الشرقي من المدينة واتجهت إليه الجماهير في شكل مسيرات تنطلق من مختلف الأحياء باتجاه ساحة السهرة ثم وكابت زيارة الرئيس لمدينة بوكى ليأتي تعيين منسق المبادرة أمينا عاما لوزارة الداخلية بعد ذلك بأسبوع ثم عضوا في اللجنة العليا المكلفة بتشخيص واقع الحزب وإعادة تفعيل هيئاته بعد ذلك بأقل من شهر.
الدور السياسي الجديد
وشكل تعيين منسق الجماعة محمد ولد اسويدات أمينا عاما لوزارة الداخلية واللامركزية حدثا جديدا في الساحة المحلية ومناسبة لإعادة رسم تحالفات جديدة تتسم بالشراكة وتضم إلى جانب الحلف المناصر للفريق محمد ولد مكت جماعة الإصلاح والتجديد التي عملت مختلف النخب على إبعادها خلال المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز مع فتح الباب أمام أسرة أهل الشيخ عبد الله لتلعب دورها الريادي وتستعيد بعدها السياسي من جديد.
أما يدا بيد فشهدت تمددا أكسبها ألقا سياسيا جعلها اليوم لاعبا رئيسيا ببلديتي ألاك وبوحديدة وصاحبة دور محوري ببلدية أغشوركيت وعنصرا فعالا بمركز دار البركة الإداري مع حضور بارز بمقاطعتي دار النعيم وعرفات بالعاصمة نواكشوط، فيما تحول زعيمها إلى نقطة التقاء وتوافق بين مرجعيتين روحيتين بمقاطعة ألاك وصاحب كلمة مسموعة ورأي مؤثر في شريحتين من المجتمع و علاقات طيبة ببعض رموز الأقلية النجية فضلا عن كونه لا يزال في سن عمرية تمكنه من الانتماء لفئتي الشباب ومن تجاوزوا سن الـخامسة والأربعين، مع ميزة إضافية لا يعرفها عنه إلا قليلون وهي تحدثه بمختلف اللغات الوطنية بما فيها الزنجية أما إذا أردت الإيجاز فقل هو موريتانيا..
الفيديو التالي يوثق يوم انطلاقة يدا بيد في الخامس والعشرين من مايو 2013 وهو ضمن تقرير بثته التلفزة الرسمية عن انطلاقة المبادرة