
بعض السطحيين يأخذون عليّ أنني بالغت في مرحلة ما في انتقاد الوزير الأول الحالي المختار ولد اجاي، ثم غيّرت رأيي فيه، معتبرين أن في تغيير المواقف نوعاً من التناقض، وهو في الحقيقة انعكاس لنضج فكري ومرونة في التعاطي مع حقائق جديدة..
البشر ليسوا كائنات جامدة، حيث يحمل كل تعاقب للأبردين فرصة لاكتساب معلومة جديدة أو رؤية لشيء من زاوية مختلفة.
السياسة بطبيعتها مجال متغير. فالقادة والمسؤولون يتخذون قراراتهم في ظروف وملابسات معيّنة، يحللها الصحفيون والإعلاميون من الزوايا التي تبدو واضحة لهم في وقتها. لكن حُبالى الأيام قد تلد حقائق أخرى.. فالصادق، المتجرد من رعوناته النفسية يكتسب منها فضيلة العودة للحق، أما المكابر فيتنكر للحقيقة الكاشفة، ويواصل تعنته ومزايدته..
كم انتقد صحفي سياسياً، جراءَ سياسات بدت له في حينها غير موفقة، وبعد تفاعل مباشر أو فهم أعمق لحقيقتها، انكشفت له جوانب إيجابية كانت غائبة عنه، فامتلك الشجاعة للصدع بها.. فهل يعتبر ذلك تناقضًا، أم تطوراً طبيعياً في الموقف؟
انتقاد شخصية أو موقف معين لا يعني بالضرورة خصومة أبدية. فإنما يكون النقد غالبًا بهدف الإصلاح، وليس الهجوم الشخصي. وعندما يتحقق الإصلاح المنشود ، يصبح من المنطقي أن يعيد الناقد تقييم مواقفه. وهو ما يعتبر دليلًا على المرونة الفكرية والاستعداد لتغيير المواقف بما يخدم الحقيقة والإنصاف. و كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري "ولا يمنعك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع في الحق خير من التمادي في الباطل"
وكما قال الشاعر:
ليس من أخطأ الصواب بِمُخْطٍ // إن يؤب لا ولا عليه ملامه
إنما المخطئ المسي من إذا ما //ظهر الحق لَجَّ يحمي كلامه حسنات الرجوع تذهب عنه // سيئات الخطا وتمحي الملامه
تغيير المواقف ليس ضعفًا، بل شجاعة تعكس القدرة على مراجعة الذات. والجمود على رأي فائل أو رفض الاعتراف بعكسه هو التناقض بعينه.
لكل من يحاول استغلال انتقادات قديمة لتشويه مواقف جديدة، أقول: إنني أعتز بنقدي السابق لأنه كان جزءً من رحلة بحثي عن الحقيقة، وأعتز بموقفي الحالي لأنه مبني على قناعة جديدة أعمق وأكثر نضجًا.
التغيير هو سنة الحياة، والنضج الفكري هو القدرة على قبوله عندما يصبح ضرورة.. وكل شيء يخضع للتغيّر إلا قانون التغيّر..
الإعلامي حنفي ولد دهاه