
أحدثت الأشهر الأولى من عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تحولا غير معهود في الحياة السياسية أنتج توجها جديا من مختلف الطيف الوطني نحو خلق مناخ سياسي هادئ، بعد عشرية اتسمت بالاستقطاب والصراع المرير.
وكما شكلت تلك الأشهر تحولا عاما نحو تبني الخطاب الهادئ وتجاوز الماضي بكل أو أغلب ما فيه، فإنها شكلت أيضا فرصة للأطراف المتصارعة داخل النظام للدخول في هدنة مهدت لإعادة ترتيب مشهد التحالفات البينية لتلائم وتواكب الواقع الجديد.
وفي ظل هذا المناخ الذي ساد المشهد السياسي الوطني بفعل النهج المتبع من طرف نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، المغاير بالكلية لما كان سائدا في العشرية المنصرمة، كانت مقاطعة ألاك قد خرجت لتوها من أقوى صراع سياسي عرفته بعد صراع لائحتي الشورى والوئام أواسط ثمانينات القرن الماضي، وبدا واضحا أن أطرافا عديدة تسعى لأخذ مواقع جديدة بل ومتقدمة في ساحة لا تزال طور التشكل منذ ذلك الحين وحتى الآن.
يأتي في مقدمة تلك الأطراف حلف سياسي عريض (حلف مال) بقيادة النائب الأسبق والخبير المالي زيني ولد أحمد الهادي، وهو حلف يمتلك تاريخا سياسيا طويلا مكنه من اكتساب تجربة ثرية جعلته على مدى أزيد من عقدين وحتى اليوم يمثل باستحقاق إحدى ركيزتي النظام في مركز مال الإداري، أكبر خزان انتخابي بمقاطعة ألاك.
يعتمد النائب الأسبق والخبير المالي زيني ولد أحمد الهادي على مقومات ذاتية عديدة أهلته ومكنته من البقاء في صدارة المشهد السياسي بمركز مال الإداري وفي مقدمتها البعدين الاجتماعي والروحي، فضلا عن علاقات صلبة ومتجذرة مع مرجعيات قبلية وروحية بالمركز، بالإضافة إلى ما أنجزه للسكان في مجالات التعليم والتشغيل وبناء السدود وإنشاء ودعم المشاريع الزراعية والتنموية التي يقوم عليها اقتصاد المنطقة.
شكل الحلف رأس حربة في الصراع السياسي الأخير الذي صاحب حملة الانتساب الحزبية، وكان سندا رئيسيا لحلف وزير الاقتصاد والمالية، الإداري المدير العام لشركة اسنيم حاليا، غير أن بوادر الخلاف بين الطرفين ظهرت جليا قبل انتهاء الانتخابات البلدية والتشريعية عام 2018، وكان ذلك تمهيدا لفك الارتباط السياسي بينهما نهائيا بعد نفس الانتخابات.
من أوراق القوة العديدة التي يمتاز بها النائب الأسبق وساهمت بشكل فعال في تجاوز حلفه لمختلف المراحل رغم تعدد الأنظمة وتعاقب أكثر من جيل سياسي في المقاطعة، هي دقة القراءة والتحليل للمشهد السياسي باستمرار، مع الأخذ لكل مرحلة ما يناسبها، دون الإخلال بالخط العام والالتزامات السياسية، إذ لم يسجل للحلف طيلة تاريخه أي تحول أو تبديل في المواقف أثناء المواسم الانتخابية، وهي العناصر التي أدى غيابها عند كثيرين إلى خروج مبكر من حلبة التدافع السياسي في المقاطعة طوال العقود الأخيرة وكانت سببا مباشرا في إنهاء المسار السياسي لأكثر من شخص وجماعة.
غير أن التحول الأبرز في تاريخ حلف مال السياسي هو ما حدث في السنة الأخيرة، حين وضع حدا لاستقطاب دام عشرين عاما مع جماعة الإصلاح والتجديد التي استطاعت خلال حملة الانتساب أن تنتزع تعادلا ثمينا رغم شراسة الاستهداف الذي كانت عرضة له طيلة المأمورية الأخيرة للرئيس الأسبق، وتحول الجفاء بين الخصمين إلى تحالف ذا رباط لا ينفصم وباتا شريكين في الفعل والتأثير وصناعة القرار، بدعم مطلق من مختلف مكونات حلف البشائر المناصر للفريق محمد ولد مكت.
ويشكل الاجتماع الذي تعقده بعثة حزبية بأطر وفاعلي مقاطعة ألاك مساء اليوم السبت أول فرصة لظهور قادة وأنصار حلف مال إلى جانب شركائهم في الإصلاح والتجديد، فيما يغيب عن الاجتماع عضو المكتب التنفيذي للحزب علي ولد عيسى بفعل تكليفه بقيادة البعثة المكلفة بولاية غورغل.