في البداية تتعين الإشارة إلى أن مفهوم النخبة -ودون تعمق- يطلق على كل مجموعة من الأفراد يُعترف بدورها المتميز في التأثير والفاعلية في شؤون المجتمع.. أما تخليق العمل السياسي وخلافا لما ذهب إليه البعض من ربطه بالمفهوم الفلسفي فيعني الارتقاء بمجموعة من المبادئ والقيم من مستوى القبول الطوعي إلى مستوى الإعمال الجبري بتضمينها في قوانين عامة تحكم التعاطي داخل ذلك المجال.
فالأمر يتعلق إذن بقوانين ناظمة وليس بمجرد قواعد سلوك تكتفي بالتوجيه لما ينبغي. لقد بادرت الدولة الموريتانية على غرار بقية دول العالم، إلى تقنين ماتراه ضروريا من النصوص القانونية التي تهدف من خلالها إلى تجسيد تخليق الحياة السياسية، مثل:
- تجريم التداول في الأصوات وبطاقات التعريف و شراء الذمم؛
- تحديد سقف مالي للحملات الإنتخابية؛
- سن القواعد القانونية المتعلقة بوجوب شفافية الانتخابات وحياد الإدارة؛
- سن القوانين المتعلقة بالتعارض الوظيفي؛
- وضع القوانين المتعلقة بالتصريح بالذمة المالية ؛
- اشتراط الحصول على صحيفة عدلية خالية من وجود إدانة بالنسبة للمترشحين لوظائف انتخابية، وانشاء هيئات للشفافية؛
- صياغة القوانين التي تضمن الدور الفعال للمعارضة.
وتعكس الإجراءات المعلن عنها من طرف النظام في قضية تخليق الحياة السياسية وعي فخامة رئيس الجمهورية بأولوية قضية التخليق وحرصه على تجسيدها على أرض الواقع بعد أن تركت طويلا للنسيان مما تسبب في حالة اليأس والإحباط التي صارت طابعا للمزاج العام..
ولئن كانت مشكلة تخليق الحياة السياسية تمت مقاربتها في القوانين ومن الجهات الرسمية أساسا، وهو أمر بالغ الأهمية، فإن جانبا مهـما يكمل هذه المقاربة تم إغفاله كثيرا، وآن الأوان لرد الاعتبار له ألا وهو عدم تخليق الخطاب السياسي، وتجاهل دور النخبة السياسية مما حول الكلام عن التخليق والتهدئة إلى شعارات باردة للتطمين ورفع الحرج.
فتفعيل تخليق العمل السياسي لا يعني مجرد سن القوانين المنظمة للحياة السياسية ، وإنما يعني أساسا تخليق الخطاب السياسي، وتعزيز التكامل والانسجام بين دور النخبة والدولة بما يحقق تكاملا وتعايشا بينها وبين السلطة الحاكمة، من أجل تجسيد شعار التخليق على أرض الواقع.
وفي الختام، وعلى الرغم من كل ماحققه النظام في هذا المجال، فإن من بيننا من يفهـم من سياق حديثه عدم اعترافه بحدوائية ماتم القيام به، مع أن معطيات الواقع تنافي ذلك؛ فهذا النظام فعلا جسد التخليق والتهدئة السياسية على أرض الواقع حينما طبع العلاقة بين الموالاة والمعارضة بتطبيق القوانين المنظمة للمجال..
وأضفى صبغة أخلاقية على العمل العمومي والسياسي حينما أشرك بعض الجهات السياسية المعارضة في تسيير الشأن العام، وفي تشكلة اللجنة المستقلة للانتخابات… هذا زيادة على محاربته للفساد كمصدر أساسي لشراء الذمم، وفي تطبيقه لقانون الجريمة السبرانية وقانون حماية الرموز اللذان يساهمان بشكل جلي في حماية أعراض الناس والتخفيف من حدة اللا أخلاقي في العمل السياسي.
د. الشيخ سيد المختار ابوه، عضو المجلس الوطني لحزب الإنصاف