
اليوم الجمعة، قدم الوزير الأول المختار ولد اجاي حصيلة عمل حكومته خلال أشهر الستة الماضية، وبرنامجها للعام الجاري.
شكليا: جاء الخطاب في أكثر من 15600 كلمة، قرأها ولد اجاي في ساعتين وخمس وأربعين دقيقة تقريبا. خصص منها 8153 كلمة لتقديم حصيلة عمل الحكومة خلال السنة المنصرمة، كانت 2353 منها لتقديم تفاصيل عن "تعهداته" التي أطلقها سبتمبر الماضي، والتزم بإكمالها قبل نهاية العام، فيما خصص 7491 كلمة لتقديم برنامج حكومته خلال 2025.
أما، مضمونا، فستكون وقفتي الأولى مع مشاريع وبرامج ودراسات الوزير الأول، لأقول إنه – وباحترافية – نجح في تحديد سقف وطموح خصومه – بوعي أو من دونه – من خلال دفعهم للتركيز على مشاريع اعترف هو بداية أنها متعثرة، وأن عقبات وعراقيل كانت تحول دون استكمالها، وقال إنه سيعمل على إزالتها. وعليه كان من المنطقي أن لا يكون في استكمال مشاريع متعثرة ما يتفاخر به، وأن لا تكون قابلة لأن تشكل "سقف طموح" ومستوى تطلع لجمهور واسع من السياسيين والإعلاميين والمدونين.
والحقيقة، أن الدخول إلى تفاصيل هذه المشاريع حتى من خلال ما ذكره الوزير الأول في عرضه يقول إن العديد منها قد يتقاطع مع "نعاج الرجل" في القصة المعروفة، لأن التدشين فيها لا يعني الانتهاء، والاكتمال لا يعني بداية التشغيل، وأن في واقعها الكثير من شياطين التفاصيل (ولعل من هذا الباب أنني تلقيت اليوم من يسأل عن شيء ولو قليل من لبن المصنع الذي أعلن عنه الوزير الأول).
والواقع، أن النقاش الطبيعي اليوم، كان ينبغي أن يكون حصيلة عمل الحكومة طيلة السنة، ماذا حققت؟ وماذا كان ينبغي أن تحقق؟ انطلاقا من البرنامج الذي قدمه الوزير الأول السابق محمد ولد بلال، وكذا من البرنامج الذي قدمه ولد اجاي سبتمبر الماضي بدل انجرافه إلى مشاريع جزئية، وبرامج "استعجالية" محدودة.
وقد وفق المهندس أبو بكر أحمد في تدوينة حول الموضوع، حيث رأى أن "المرحلة الراهنة والمستقبلية ستطرح إشكاليات وتساؤلات عميقة جديدة "، مشيرا إلى الإشكالية الأولى حول "تعريف مشروع"، "وهل يشمل دراسات الجدوى؟"، و"هل يشمل تحسينات بسيطة لمرافق موجودة أصلا؟ أو إعادة إطلاق خدمات متوقفة؟"، "وهل الإجراءات المختلفة تعتبر مشاريع؟ كالتدقيق والتفتيش مثلا؟ أم أنه يقتصر على المشاريع الكبرى؟".
أما الاشكالية الثانية: فحول "التركيز على التأثير والجودة بدل الكمية؟ وهل من المهم عدد المشاريع المُعلنة، أم جودتها وتأثيرها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟"، متسائلا: "أين المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تُحدث تغييرًا حقيقيا؟ أليس من المفروض أن تكون أولوية؟ أليس من المفروض التركيز على تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى بدلاً من تفتيت الموارد في مشاريع صغيرة متفرقة قد لا تكون فعالة؟
لفت انتباهي أيضا، أن النص كان يمدد في حصيلة قطاعات حكومية معينة، ومن بينها – للإنصاف – قطاعات خدمية مهمة، ويتقلص عند أخرى، وحتى المتابع لقراءة الوزير الأول لا يعدم مؤشرات مشابهة في طبيعة الاسترسال، ونبرة الصوت، ومستوى الحماسة.
ومن القطاعات المهمة التي كانت حصيلتها لافتة في بالنسبة لي، وزارات الدفاع، والداخلية، والخارجية، حيث لم تنل من التقرير الطويل سوى خمس فقرات، لم تتجاوز عدد كلمتها 211 كلمة، فيما أدرج موضوع الأمن ضمن "جُهدَ الحكومة في ترسيخ الوحدة والانسجام المجتمعي"، و"مواصلتها العمل على تعزيز الأمن والاستقرار عبر تقوية استراتيجيتنا الأمنية المندمجة، وذلك من خلال العمل المستمر على تحديث المؤسسة العسكرية، عبر إنشاء تشكيلات جديدة كالمنطقة العسكرية الثامنة في تجكجة والمديرية العسكرية للخرائط، ووحدات وكتائب متخصصة، وتطوير وتعزيز القدرات في مجال تدريب القوات الخاصة والرقابة البحرية، وتقوية القدرات المهنية والعملياتية للدرك الوطني وكافة قواتنا الأمنية"، ليتواصل الحديث عن "تعزيز مهنية القوات المسلحة وقواتنا الأمنية، بتحسين نوعية التكوين والتدريب وتحديث البرامج وبالمشاركة في المناورات والتمارين الوطنية والدولية"، وكذا "تحسين ظروف عمل أفراد قواتنا المسلحة وقوات أمننا بزيادة الرواتب والمعاشات وتخصيص رواتب وامتيازات مالية لأولاد الشهداء، والتكفل بالمتقاعدين في المصالح الطبية العسكرية".
فيما كان حظ وزارة الخارجية فقرتان تحدثت الأولى عن إسهام "سياستنا الخارجية القائمة على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والسلم والتعاون المشترك في تعزيز ما نحظى به من أمن واستقرار على الرغم مما يجتاح محيطنا الإقليمي والدولي من أزمات وعنف وإرهاب".
والقول في الفقرة الثانية إن الحكومة تابعت "على مدار العام المنصرم، جهودها في تجسيد رؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في مجال السياسة الخارجية.
تلك الرؤية القائمة على اعتماد دبلوماسية نشطة متوازنة، تستثمر خصوصية البلد الجيوستراتيجية لحماية المصالح الوطنية، وللانخراط بفعالية في دوائر انتمائنا العربية والإفريقية والإسلامية، خدمة للسلم والتنمية والقضايا الإنسانية العادلة، أسهم في ذلك الدور البارز الذي لعبه فخامة رئيس الجمهورية إبان ترأسه للاتحاد الإفريقي".
ولم يكن حظ هذه القطاعات في برنامج السنة الجديدة أكثر، حيث نالت فقرة وحيدة تعهدت الحكومة فيها – وفقا لخطاب الوزير الأول – بأن تعمل على "الترجمة الفعالة لكل جوانب استراتيجيتنا الأمنية المندمجة ترسيخا وبناء على ما تحقق من مكاسب واستعداداً واستباقا لما يمكن أن يستجد من تحديات. وطبقا لذلك سيواصل قطاعا الدفاع والداخلية بشكل خاص العمل وفق الرؤية الاستراتيجية لصاحب الفخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من خلال الاستمرار في بناء قدرات القوات المسلحة وقوات الأمن عن طريق مسايرة التطور الحاصل في هذا المجال. كما سيستمر العمل ويتعزز سعيا إلى تحسين وتطوير الخدمات الاجتماعية والصحية من أجل ضمان حاضر ومستقبل أفضل للأفراد العاملين والمتقاعدين وأولاد الشهداء".
فهل كانت حصيلة عمل هذه القطاعات وبرنامجها المستقبلي ضامرة إلى هذا الحد؟ أم أن الوزير الأول لم يحصل عليه بتفاصيلها ولم يشأ تجاهلها؟ أو أنه لا تعنيه؟
وغير بعيد من هذه الحصيلة الضامرة، لفت انتباهي أن قطاعا كالشؤون الإسلامية بميزانية تتجاوز 10 مليارات أوقية كانت حصيلة عمله "صيانة وترميم 20 مسجدا في نواكشوط والداخل، وتفريش 25 مسجدا، ومواصلة أعمال بناء 40 مسجداً في الداخل، وتنظيم الملتقى التكويني الأول للأئمة. وتم تنظيم مسابقة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظرية".
"تعهدات" مهمة وردت في حديث الوزير الأول عن المستقبل، كوقف الفساد، وتوظيف أكثر من 3000 شخص، ووضع لنفوذ "لوبي موكا"، ومرتنة الوظائف في الأسطول البحري، وغيرها من التعهدات، وهي لا شك كما قال في ختام خطابه "تفرض اتخاذ قرارات قد تكون صعبة وقد يتطلب تطبيقها دفع بعض الأثمان"، فهل هو مستعد لاتخاذ هذه القرارات؟ وتحمل تبعات تدفيع الآخرين ثمنها؟ وهل تتوفر له الحماية والصلاحية لذلك؟
الإعلامي أحمد ولد الندى