وجهتك الأفضل لمعرفة جديد الولاية

اضغط هنا للانضمام إلينا عبر الواتساب 

 

تفاصيل خاصة عن اليوم الأخير لولد العزيز في القصر

نقابة الصحفيين الموريتانيين تنظم مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني

 

تغييرات متوقعة بحزب الإنصاف الحاكم

إقالة مسؤولين سامين بسبب تهم تتعلق بالفساد

 

قافلة طبية لجراحة العيون تصل مدينة ألاك بعد أيام

جهة لبراكنة تقدم كميات معتبرة من الزي المدرسي لإدارة التعليم

 

تخفيض الرتبة الوظيفية للجنيرال ولد امعييف

 

 

والي لبراكنة يعزي باسم رئيس الجمهورية أسرة أهل الشيخ القاضي

قصة العلامة عددود رحمه الله مع الراعي وحليب النوق 

ألاك: افتتاح بطولة رياضية منظمة من طرف المندوب الجهوي لوزارة الثقافة

 

ردود ولد أوداع في المحكمة: تماسك في الأجوبة واستحضار للتفاصيل

 

كيف أصبح ولد اسويدات: نقطة تلاق بين المرجعيات والشرائح والفئات (المسار السياسي)

موريتانيا لا تقاد برأسين ولا تتحدث بلسانين

مال: انضمام جماعة سياسة وازنة لكتلة الوحدة

رئيس منسقية أهل الدشرة في مقابلة خاصة مع موقع لبراكنة إنفو

تظاهرة بمدينة ألاك لتوقيع "إعلان جول"

لمتابعة موقع أغشوركيت تفضل بالضغط هنــــا

لمتابعة مدونة ألاك كوم تفضل بالضغط هنــــــا

من أرشيف لجنة إصلاح الحزب

https://www.facebook.com/bellaa199

من هي الشخصية اﻷوفر حظا في دخول الحكومة الجديدة؟

هذا خالى فليرني امرؤ خاله!

ديسمبر 9, 2021 - 8:39ص

كم آباء لنا رحلوا وعلى شفاههم حكايات لم تكتمل وفي خواطرهم أفكار حبسوها لأجَلٍ لم يبلغوه وعلى أصابعهم ارتعشت حروف لم يُكتَب لها أن تُكتب..
 

كم مواعيد لنا معهم تأخرت فخسرناها، وأوقات ضيعناها بأمل لم يتحقق كم فاتنا من روايات، وأحاديث،،، كم أخرنا تمحيصا لقصة، وتدقيقا لخبر إلى غد ما أتى.

مأساة المعاصرة أنها تحجب عنا ترقب الرحيل، ونهاية البداية..

 

درج الناس على نشر محاسن موتاهم، وتخليد مآثر الراحلين، بجميل من القول نثرا يتخيرون ألفاظه، ويتفننون في سبكه، وتحسين معانيه، يفتحون له قواميس البلاغة والمبالغة، وشعرا متراص البنيان، مثقلا بالمحسنات والمجاز، يركبون له أوطأ البحور وأوسعها لحمل ما جمعوا من متاع الكلام وماتعه، منهم من تجنح به السفينة إلى المَصابِّ المهجورة، وتنزل به إلى القاع فتتبلل الكلمات وتصبح سائلا ماسخا عديم الطعم والرائحة...

 

ومنهم من يرتقي بميته ويحله أعلى المقامات، وأوسع الشرفات وأرقاها، تساعده على ذلك عاطفة صادقة، لا تمارس الرثاء ترضية وصنعة تحت الطلب.

 

البناؤون المهرة في تشييد العمارات الكلامية يُطْرِبون حتى وهم يبالغون والناس في بكاء أمواتهم معذورون، لا شيء آلم من الفقد، ولا سلوان أنجع من نفض المخازن اللغوية لتكون آخر خيط يصلنا بالذين رحلوا بلا عودة...

خيط نتشبث به، نمسكه بقبضة يد قوية، لكن الأيام لا تلبث أن تنفخ على أصابعنا ذلك الهواء البارد، فيرتخي اللصاق وتنفتح أصابعنا، فينسل الخيط ويغيب في الأفق الضبابي، ويسجله النسيان في أرشيف الذكريات الميتة...

هذه سنة الدهر، ورحلة الإنسان بين صرخة استهلاله، وأنة وداعه وهذا هو الإنسان تنهمر دموعه أنهارا ليالي وأنهارا، ثم ينسى ويتسلى، ويشمر عن ساقه لسباق حياتي جديد يغيب الموت بعضنا، لكنه لا يستطيع أن يغيب آثاره، لأن الإنسان يموت جسما ويبقى ذِكْرا وأثرا...

 

ولد إسلم ولد أداع (مَمُّ) سنة 1930 في ضواحي ألاك لأبيه الزعيم القبلي العابد الورع، المصطفى ولد أداع، وأمه الصالحة مريم بنت الشيخ عبد الله؛ توفي أبوه وهو في العاشرة من عمره فواصلت أمه تنشئته تربية وتعليما، في ذلك المجتمع البدوي المتنقل، يقفو منازل المطر، ومواقع القطر، مجتمع لم تمنعه ظروف البادية، ووضعية الترحال وعدم الاستقرار من تنشئة ناشئته على قيم الصبر والسخاء والمروءة، والتركيز على التحصيل العلمي قرآنا وفقها ولغة وأدبا، مع ما تسمح به الظروف من أبواب المعرفة الكمالية الأخرى...

لم يكن مَمُّ بدعا من معاصريه، وأبناء حيه إلا في وعيه المبكر بمسؤولية عليه أن يتحملها بعد أن غيب الموت والده وهو طفل يدرج في عامه العاشر...

حرصت والدته على ترويضه على التحمل والجلد والشعور بالمسؤولية، فجمعت بين صرامتها في تحصيله المعرفي، وإخضاعه لصناعة الرجال النافعين، وانتدابه للأعمال الشاقة، أعمال الراشدين المؤمنين بواجبهم الأسري والاجتماعي، فابتعثته مرات في رحلات إحضار الزرع، وجلب الحبوب من شمامه وألاك وهو بعد طفل، وعلى وسائل النقل المتاحة وقتذاك من حمير وجمال وثئران....

عمل في التجارة مدة من الزمن ثم دخل سلك المعلمين مبكرا، وكان من المجاهدين الأوائل الذين نشروا اللغة العربية ودرسوها بإخلاص ووطنية، وواجهوا التحدي والدعايات المنفرة منها..

لم يكن مَمُّ أبا أسرته وأطفاله فحسب، بل كان أبا حي كامل من إخوته وأبناء إخوته، وجيرانه، يطعمهم ويكسوهم كما يطعم ويكسو أبناءه، ويتحمل عنهم الأعباء الطارئة، لا صابرا ثقل العبء بل حامدا توفيق ربه أن جعله من الرحماء بعيال الله.

كان يجمع الحلائب في الفصول المختلفة، إبلا وغنما وبقرا ويوزعها بالتساوي بين أهل الحي من الأقارب والجيران ويكون نصيب بيته كنصيب أي بيت من بيوت الحي كلها.

رأيت في حائط منزله بألاك شبه مخيم من ضحايا الجفاف، ينفق عليهم لا يريد جزاء من أحد ولا شكورا من إنسان؛

 

سنة 1973 رحلت الإدارة قسمنا من البادية إلى المدينة فآوانا في داره وكنا أيضا بعدد فريق كرة قدم ولاعبي احتياط، وكان منا الطفيلي الذي يشترط...

واستخرج لنا سائر وثائقنا المدنية من شهادات ميلاد وجنسيات...

ووجدنا أمامنا أمة أخرى من الناس يعيشون مكرمين مبجلين لا نفتقدهم إلا حين نذهب إلى المدرسة، ويذهب بعضهم إلى دوامه، وبعضهم إلى مجالس السوق لا شاريا ولا بائعا، بل متسوق فضول يعود إلينا به، ويحكيه بزيادات ووضع، فنجد في ذلك متاعا يشغلنا عن استثقاله، والتفكير في ضغط منكبه حين نتداعى على قصعات الغداء...

حافظ الرجل على الطهارة المائية محافظة عجيبة في مجتمع بدوي، يعيش فترة القربة والحمار، وبعد الميراد، وزحمة السقاة على الآبار،

أدركت وأنا طفل صغير أنه يحتفظ ب(ريشو) صغيرة، ووعاء(كار) حديدي صغير وثقاب في محفظته ليستعين على الوضوء في السفر وفي الشتاء...

لم تمنعه سنوات الجفاف المتتالية، وما خلفت من مجاعات، وهلاك للحيوان من الأضحية في تلك السنوات الشهباء،

وأذكر أننا كنا نجتمع يوم العيد- نحن الأطفال من الأقارب والجيران وبعض الرجال لنأكل من أضحيته، لأنه كان من القلة الذين يضحون في تلك الفترات وفي تلك الظروف القاسية..

 

ظل صاحب ضبط وترو، إذا حدث صدق، وإذا وعد وفى، وإذا ائتمن حفظ...

يروي الحدث كما وقع، أو كما سمع، لا يتأثر برأيه فيه ولا بموقفه منه، ولا بآراء مخاطَبيه.
 

هجر مجالس السياسة، وانقطع لله فشغله به عما سواه..

لما تقاعد واصل انقطاعه للعبادة إماما ومربيا، وهو الحامل لكتاب الله، الملازم ختمته الأسبوعية، لم يتعلق من الدولة بسبب يدر عليه دخلا كما يفعل المتقاعدون الذين يطيلون النزع ويرفضون الموت الوظيفي والتخلي عن مص أثداء الدولة فيبذلون الجهد للحصول على وظائف وهمية غالبا، أو ريعية مريحة كمجالس الإدارة والوظائف الانتخابية المحتكرة على ما يسمى الوجهاء، أو تجار المواقف الجديدة، الراكبين موجة الفئوية والشرائحية والعنصرية...

عجز عن المسير إلى المساجد فخلا لمحرابه في منزله فلا تراه إلا راكعا، أو ساجدا، أو تاليا لكتاب الله، أو محدثا بما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، أو محررا سبحته بالاستغفار والذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

رفض السفر إلى المدينة وقد شاع بين الناس الرحيل في موسم الحر والصيام، وظل مقتنعا أن منزله في القرية يكفيه، وأن الحياة في حيه بين أهله وجيرانه أمتع، وأرحم بمن لا يجدون إلى السفر سبيلا، فأغناه الله عنها بعافيته حتى طوى كتاب حياته...

صلى المغرب ليلة الجمعة، وتلا ما شاء الله له أن يتلو ويقرأ من الذكر، ووضع جنبه على فراشه وسجادته، وبمرأى من سبحته وأدوات وضوئه أسلم الروح لبارئها في نومة، لا حشرجة فيها ولا حركة، طاويا كتاب عمر بواحد وتسعين عاما، عاش أولها كادا على عياله، خاصته، وعامته، وعلى جيرانه، وآخرها لمسجده وأذكاره، يقرأ مصحفه دون نظارات، لم يتأذ بمرض، ولا دخول مشفى، ولا إبر حقن، معافى من أمراض الضغط والسكري، والارتعاش والخرف وضعف الذاكرة، نجاه الله من كل ذلك فتبارك الله أحسن الخالقين، والحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأستاذ المرتضى ولد محمد أشفق